التواصل البيداغوجي
مفهوم التواصل :
يندرج اﻹهتمام بطرح مسألة مفهوم التواصل ،ضمن السياق المعرفي العام الذي يطبع المرحلة. اذ تسعى كل حقول المعرفة اﻹنسانية إلى تسييج مفاهيمها. وعليه فإن معرفة طبيعة المفهوم ومجاله وقصده .هي من بين المسائل والقضايا المنهجية التي تنشغل بها كل مقاربة علمية ويشتغل بها كل باحث يسعى إلى أن تكون له استراتيجية محددة وآفاق مرسومة. فلا عجب إذا كانت المفاهيم بؤرة للتفكير والتحليل في أنواع هذه البحوث .وفي ضوء هذا الإنشغال بالمفاهيم واﻹشتغال عليها .نقترح التعرف على مفهوم التواصل عبر مجموعة من التعاريف المختلفة باختلاف أصحابها.يصطدم كل باحث عند تعريف مفهوم التواصل كغيره من المفاهيم اﻹنسانية الواقعة في مجال اهتمام حقول معرفية بمشاكل وصعوبات منهجية عدة مردها إلى تداخل الحدود التي يمكن أن تفصل بين تلك الحقول المعرفية في دراسة التواصل من جهة وإلى طبيعة المفهوم الزئبقية من جهة أخرى.
إن هذا التداول المتعدد للمفهوم قد أضفى عليه صفة الغموض . الأمر الذي جعل البعض يستعمله مازجا بين الأداة والمحتوى . وهناك من أدخله في علاقة ترادف واشتراك من حيث الحمولة الدلالية مع العديد من المصطلحات مثل الوصل واﻹيصال واﻹبلاغ والمخاطبة اﻹخبار والمحاورة واﻹتصال ...إلخ.
وبناء على ما سبق نلاحظ أن التعريفات التي حاولت مقاربة المفهوم قد تعددت وتباينت . ومن ثم فإن الوقوف عند مفهوم التواصل سيؤدي بنا لا محالة إلى اﻹلمام بمختلف التعابير إن لم نقل ظبطا شاملا للمفهوم ككل وفي مقدمة هذه التعاريف التعريف اللغوي تاليه الإصطلاحي . فما هو التواصل لغة واصطلاحا؟.
التواصل لغة:
جاء في لسان العرب "اتصل الشيء بالشيء ،لم ينقطع والتواصل ضد التصارم بمعنى التقاطع ، ووصلت الشيء وصلا وصلة،والوصل ضد الهجران"ويقال بينهماوصلة أي اتصال وذريعة والذريعة هي الوسيلة.والأكيد أن فعل التواصل في جوهره يقوم على علاقة وللعلاقة معنى التواصل،وعليه فكل تواصل علاقة، وكل علاقة تواصل فلاتواصل بدون علاقة والعكس صحيح .وقد لاحظ طه عبد الرحمان من خلال بحثه الحجاج والتواصل أن لفظ التواصل هو عبارة عن مقولة تشتمل على مفاهيم فرعية مثل:
- الوصل ويفيد نقل الخبر.
- الإيصال ويقوم على نقل الخبر مع اعتبار مصدر الخبر الذي هو المتكلم.
- الإتصال وهو نقل الخبر مع اعتبار مصدر الخبر الذي هو المتكلم وقصده الذي هو المستمع معا.
وبالرجوع إلى المعاجم الغربية نلاحظ أن المفهوم يستعمل باستعمالات متعددة ومن نمادج ذلك نشير إلى ما يلي:
معجم روبير الصغير الذي عرف التواصل بمعنى اﻹبلاغ واﻹخبار ،أي نقل خبر ما شخص أو إقامة علاقة مع شخص ما.كما يدل على الشيء الذي يتم إبلاغه،والوسائل التقنية التي تستعمل في التواصل والتي بفضلها يتم.
وقد ورد في قاموس علم النفس أن التواصل في مفهومه الواسع يعني نقل شيء ما من موضوع إلى آخر،وقد يكون هذا الشيء رسالة أو رمزا أو معنى ....وليتم التواصل يقتضي وجود ترميز مفهوم بين المرسل والمرسل إليه . وذلك حتى يتم تأويل وتفسير المعنى المنقول دون تحريف.
التواصل اصطلاحا:
التواصل اصطلاحا هو تبادل الرسائل اللغوية المنطوقة أو المكتوبة أو المرمزة بالشفرة أو الإشارة ،وهي كلمة حديثة العهد على غرار المفاهيم التي تستمدها العلوم اﻹنسانية واﻹجتماعية من العلوم الطبيعية ،وهناك تعاريف متعددة لمفهوم التواصل من بينها :"التواصل هو الميكانيزم الذي تقوم عليه العملية التواصلية،كما يتضمن تعابير الوجه وهيئة الجسم والحركات ونبرة الصوت والكلمات والكتابات المطبوعات والتلغراف والتلفون ،وكل ما يشمله أخر ماتم من الإكتشافات في الزمان والمكان".وفي المعجم اللساني لجون ديبو التواصل هو "التبادل الحاصل بين ذات متكملة تنتج ملفوظا موجها إلى ذات متكملة أخرى ،أي ألى محاور يستدعيه اﻹنصات".
أما التوصل في الخطاب اللغوي فهو"يقتضي ببث أخبار من نقطة ما إلى نقطة أخرى،ويكون نقل الخبر بواسطة رسالة مسننة لها شكل ما".
وقد اهتم التداوليون شأنهم في ذلك شأن الدارسين الاخرين اهتماما خاصا بمجال التواصل وكان تركيزهم على معنيين لكل فعل تواصلي:
- معنى يكمن في مقصدية المتكلم.
- ومعنى في القصد اﻹخباري للرسالة المبثوثة.
وعرف هولاء الباحثون التواصل بمعنى المحادثة في علاقتها بأسباب نجاح المشتركين في عملية التحادث ،القائمة على مبادئ وأسس مشتركة بين الأطراف المتدخلة في العملية التواصلية ،بهدف الوصول إلى معنى الرسالة والسياق الذي أتت فيه والدلالة التي تحملهامن خلال وظيفتها.
ويستلزم تبليغ كل رسالة من جهة وجود شفرة ،ومن جهة ثانية تحقيق عمليتين اثنثين هما:
ترميز المعلومات وفك الترميز مع ضرورة الأخذ يعين الإعتبار طبيعة التفاعلات التي تحدث أثناء العملية التواصلية،وكذا أشكال الإستجابة للرسالة والسياق الذي يحدث فيه التواصل .
من خلال هذه العينة من التعريفات المتنوعة نستنتج أن التواصل ليس مجرد تبليغ المعلومات بطريقة خطية أحادية الإتجاه، ولكنه تبادل للأفكار والأحاسيس والرسائل التي قد تفهم وقد لا تفهم بنفس الطريقة،من قبل كل الأفراد المتواجدين في وضعية تواصلية.فقد أصبح التواصل يركز على تقنية إجرائية وأساسية في فهم التفاعلات البشرية،وتفسير النصوص والتجارب اﻹعلامية وكل سبل الإرسال والتبادل.
التواصل إذن وفق ما سلف يقتضي مجموعة من المكونات والعلاقات:
- مرسل: يكون مصدر الرسالة أو منتج الخطاب، وصاحب نية التواصل ، ويكون كذلك المسؤول عن نجاح أو فشل عملية التواصل.
- المتلقي أو المستقبل : وهو الذي يقوم بتلقي ما يوجه إليه بترجمته إلى أفكار يستوعبها.
- التواصل : وهو إخبار برسالة معينة تحمل معلومات أو أكثر .
لن نسترسل هنا في تعداد التعريفات نظرا لكثرتها، ثم إن إشكالية التواصل لن تجد حلا لها بمجرد استعراض التعريفات التي راكمتها مجموعة من المقاربات ، بل بأجرأة الفعل التواصلي والعمل على تفعليه في العملية التعليمية التعلمية.